يعتبر الماء أساساً للكائنات الحية وسراً لخصوبة الأرض وازدهارها وانتعاشها، مصداقاً لقوله تعالى: ]وجعلنا من الماء كل شيء حي[وارتبطت الحضارات القديمة بالمواقع المائية عرفت بعضها بالمسمى المائي
كحضارة وادي الرافدين ووادي النيل، وكان الماء ولا يزال عنصر تجانس للمجتمع الكردي، حيث تأثر الإنسان الكوردي بشكل كبير بالمياه، إذ أصبحت للمياه مكانة خاصة في الأدب الكوردي، فقد ألف بعض أشهر الشعراء الكلاسيكيين الكورد أشعارهم على شكل حوار مع المياه الجارية أمثال فقي تةيران وأحمد خاني، وهنا نرى أهمية الماء بالنسبة لشعوب المنطقة، وفي الوقت الحالي أصبح الماء مصدراً حيوياً هاماً في الاقتصاديات كافة، وفي المجتمعات التي تدار شؤونها في بيئات جافة حيث المياه الواقعة ضمن أراضيها محدودة وتواجهها تحديات كبيرة، فبلدان الشرق الأوسط في نهاية القرن العشرين احتاجت إلى ضعف كمية المياه المتوفرة لديها وبحلول (2025) قد تحتاج إلى أربعة أضعاف كمية المياه المتاحة من المصادر الطبيعية الوطنية، وإن إنتاج الغذاء هو المستنـزف الأكبر اقتصادياً للمياه، حيث تبلغ احتياجات الفرد الواحد حوالي (ألف متر مكعب) سنوياً لتلبية الاستعمالات المنـزلية والبلدية.
فإن المنطقة بأكملها تحولت من أوضاع كانت لديها مياه كافية لمتطلباتها الاقتصادية إلى الوقوع في العجز المائي. ولذا فإن (المياه) تشكل على الدوام إحدى أهم المشكلات الاقتصادية-الاجتماعية نتيجة لشحتها ولدورها الخاص في تنمية شعوب المنطقة على حد سواء
إقليم كوردستان يقع ضمن المناطق المضمونة الأمطار ومن أغنى مناطق العالم قاطبة بالمياه، إلا أن الموقع الجغرافي للإقليم كونه يقع ضمن منطقة الشرق الأوسط التي تقع على حافة الصحراء وتعرض المنطقة لموجة من الجفاف عام 1998-1999 لم يسبق أن تعرض لها المنطقة منذ (100) عام وإن السنوات المقبلة ستشهد فترات جفاف أيضاً ومن المعطيات المترولوجية للسنوات الماضية، لا تشير إلى سقوط أمطار غزيرة ولربما تكون أمطار متفرقة بين فترات متفاوتة مما لا يشجع على الزراعة وذات تأثير محدود على مناسيب المياه الجوفية.
ومن هذا المنطلق كون مصدر تغذية المياه السطحية والجوفية في تناقص مستمر بسبب سنوات الجفاف العجاف نرى أن يتم استثمار مياه الأمطار والأنهار والمياه الجوفية أحسن استغلال، وذلك ببناء السدود والمسطحات المائية وتحويل مجاري الأنهار بشكل فني وتخطيط مدروس لكي يتم توزيع المياه على مناطق أخرى والمباشرة بأعمال الري التكميلي لإنتاج الغلات الزراعية، تربية الأسماك.
والبدء بحصاد مياه الامطار لغرض الاستفادة القصوى من كل قطرة مياه امطار
ونحن اليوم بأمس الحاجة من أي وقت مضى للمياه والتحول من الزراعة الديمية التي تعتمد على مياه الأمطار التي تتذبذب من سنة إلى أخرى أو تقل نسبة الهطول المطري إلى الزراعة المروية واستخدام طرق حديثة في الإرواء كالري بالرش والتسقيط وبعكسه سيتأثر الإنتاج الزراعي بشكل كبير في حالة عدم توفر المياه وخاصة وإن الزراعة هي العمود الفقري لاقتصاد كوردستان.
لكي نستطيع تغطية المساحات الواسعة من الأراضي الزراعية الخصبة في كوردستان كسهول السندي والسليفاني وناف كور وأربيل وشهرزور وكرميان وغيرها من المناطق، ومن العوامل المشجعة لإنشاء السدود هي ملاءمة الطبيعة الجيولوجية والطوبوغرافية ولتوفر المواد الإنشائية والخبرات المحلية والآليات والمعدات، مما يشجع على المباشرة بتنفيذ عدد من السدود وجود دراسات جيولوجية متكاملة وتصاميم هندسية ويتطلب إعادة دراستها على ضوء الحاجة الفعلية.
إن استمرار حالة الجفاف في المنطقة لا سامح الله سيؤدي بلا شك إلى استنـزاف احتياطي المياه الجوفية مما يؤدي إلى حصول مشاكل فنية كبيرة مستقبلاً وعليه فإن إنشاء السدود في الإقليم تعتبر فكرة ذات بعد استراتيجي لمستقبل الأجيال وبالإمكان الاستفادة من رؤوس الأموال في الإقليم في هذه المشاريع وفق النظم الاقتصادية السائدة حالياً في العالم.
الماء من ناحية تأثيرها على البيئة كونها أحد أهم عناصر التلوث البيئي وخاصة مياه الصرف الصحي الخارج من مراكز المدن الكبيرة دهوك- اربيل- السليمانية ويتطلب معالجتها والاستفادة منها للزراعة التكميلية عند شح وقلة الامطار.
إلا ان الملاحظ هو أن أغلب مدن وقرى كوردستان تعاني من أزمة حادة في مياه الشرب، لذا فالواجب الوطني يقضي الاهتمام بهذه الثروة كونها مصدر المياه والحضارة أينما وجدت، وكانت المياه سابقاً وحالياً عامل تجانس للمجتمع الكوردي، إلا أن هذه الثروة تذهب هدراً إضافة إلى ذلك تجرف معها آلاف الأطنان من الأتربة الصالحة للزراعة سنوياً وتترك المنطقة جرداء بدون غطاء نباتي مما يؤثر سلباً على بيئة المنطقة من جميع النواحي في المستقبل المنظور، لذا يجب أن نولي بالغ الاهتمام بمشاريع التخزين لغرض الحفاظ على الثروة المائية المتاحة لتحقيق هدف الخزن المستديم وذلك بإنجاز مشاريع السدود والخزانات لتأمين المياه للزراعة الكثيفة والأنشطة الأخرى (الشرب، البلديات، الصناعة، تنمية الثروة السمكية، السياحة وغيرها) ولأن كميات الخزن الحالية المتوفرة في سدود (دهوك، دوكان، دربندخان) قليلة جداً مقارنة بالكميات المتوفرة التي تذهب هدراً في مواسم الفيضان، وإن عدم الاستفادة من كمية المياه المتاحة حالياً بالشكل الأمثل يؤثر على خطط الإعمار والتنمية في المنطقة.
ولغرض النهوض بالمنطقة بشكل عام واستغلال مواردنا المائية المتاحة يتطلب وضع خطة شاملة تكون من أولى مهامها وأولوياتها معالجة حالة السدود القائمة حالياً ولاسيما أنه قد مضى أكثر من خمسين عاماً على تشييد سدي دوكان ودربندخان.
اما سد بخمة الذي كان قيد التنفيذ فإنه من الضروري جداً دراسة واقع السد وإمكانية الاستفادة من الأعمال المنجزة من دراسات وأنفاق ومواد إنشائية مكدسة وغيرها وتقديم بدائل بمواصفات أخرى تخدم المنطقة من حيث الارتفاع ومساحة حوض الانغمار وحساب كمية الطاقة الكهربائية التي سينتجها السد المقترح حيث أن التصميم السابق للسد البالغ ارتفاعه (230)م والسعة الخزنية البالغة (17) مليار متر مكعب كان يضمن توليد (1500) ميكا واط، وهنا يمكن الإشارة إلى مواقع بعض السدود الأخرى في إقليم كوردستان منها سد على نهر الخابور شرق مدينة زاخو لدرء الفيضان عن مدينة زاخو والحرم الكمركي في إبراهيم الخليل، وسد على نهر الخازر في منطقة باكرمان، وسد على كلي زنطه قرب ناحية نهلة، وسد في كلي رشافا في منطقة ديرالوك في محافظة دهوك.
وفي محافظة أربيل بالإمكان إنشاء سد منداوة قرب مصيف صلاح الدين، على نهر الزاب الأعلى وسدود جمركة ورزكة وشقلاوة ومجموعة السدود الصغيرة على نهر راوندوز.
وفي محافظة السليمانية بالإمكان إنشاء سدود أخرى عدا سدي دوكان ودربندخان لغرض الاستفادة من المياه التي تستغل لأغراض توليد الكهرباء بالاضافة إلى سدود أخرى مثل سد كولوس ودولة سور على نهر جاقان في شهرزور وسد شدلة على نهر تابين في منطقة سورداش وسد في مصيف سرجنار.
السدود المنجزة في الإقليم:
1- سد دوكان ذات سعة خزنية بحوالي (6.8) مليار م3.
2- سد دربندخان ذات سعة خزنية حوالي (3) مليار م3.
3- سد دهوك ذات سعة خزنية حوالي (52) مليون م3.
أما السدود قيد الإنشاء والدراسة فهي:
1- سد بخمة.
2- سد رزكه في مرحلة الدراسات ويقع على وادي رزكه قرب قرية قره بك في محافظة أربيل ذو سعة خزنية حوالي (50) مليون م3.
3- سد جمركة في مرحلة الدراسات ويقع على وادي جمركة قرب قرية جمركة في محافظة أربيل وذو سعة خزنية (38) مليون م3.
4- سد تنظيمي في مرحلة الدراسات لغرض تنظيم المياه في نهر الزاب الصغير ويقع في مؤخر سد دوكان.
5- سد كولوس ويقع على نهر جاقان ضمن سهل شهرزور في محافظة السليمانية لخزن (76) مليون م3، والسد ضمن مرحلة التصاميم.
6- سد شقلاوة ويقع على وديان شقلاوة في مرحلة الدراسة.
7- سد شدلة على نهر تابين ضمن محافظة السليمانية وضمن مرحلة الدراسة.
8- سد باكرمان على نهر الخازر في محافظة دهوك والمشروع في مرحلة التصاميم
وبغية إجراء الدراسة لهذه المواقع وغيرها والاهتمام بادارة متكاملة لمصادر المياه نرى بأنه آن الأوان لفتح مركز علمي لدراسات واستراتجيات المياه في اقليم كوردستان ودعمه بالكوادر الكفوءة وأجهزة الحاسوب والصور الجوية والمرئيات الفضائية لتكوين بنك للمعلومات عن المعطيات الجيولوجية والهيدرولوجية والمناخية وإعداد التصاميم وحساب كميات المياه السطحية والجوفية،
تعتبر منطقة اقليم كوردستان من المناطق التي قد تتعرض للزلزال الكبيرة، إذ أن تاريخ المنطقة الزلزالي يشير الى ذلك بسبب موقع المنطقة الذي يقع على حافة الصفيحة العربية و(الهندية-الآسيوية)ولكون القوى الزلزالية أصبحت غير منتظمة التوزيع ضمن نطاق الألب-همالايا.
وإن الفعالية الزلزالية تركزت بشكل مكثف عند حافات الصفائح التكتونية ويعزى سبب زيادة النشاط الزلزالي المحلي في المنطقة إلى الحركات الصغيرة السريعة والمفاجئة لتلك الصفائح،
إضافة إلى ذلك فإن تكوين عدد كبير من البحيرات الاصطناعية خلف السدود ستولد نشاطاً زلزالياً إضافياً بسبب تحميل القشرة الأرضية ما هو فوق طاقتها التحمليـة وكذلك تقـوم هذه البحيرات بإحداث هزات محتثة (Induced Siesmecity). وبالرغم من كون ظاهرة النشاط الزلزالي لخزانات السدود ظاهرة حديثة لم يزد عمرها عن الخمسين عاماً فإن المعطيات التي تم التوصل إليها من قبل علماء الزلازل أثناء دراسة الخلفية الزلزالية لمواقع السدود قبل وبعد الإنشاء تبين وجود نشاط زلزالي محتث في أحواض السدود نتيجة عدة عوامل، منها حجم البحيرة وعمقها وطوبوغرافية المنطقة والتغيير الموسمي في مناسيب مياه البحيرة ومعدل ملء وتفريغ البحيرة إضافة إلى العوامل الجيولوجية كنوع الصخور وتواجد مناطق الضعف كالصدوع والانكسارات وتواجد المياه الجوفية وغيرها.
المياه المعدنية الحالية في اسواق كوردستان ليست كلها مياه يتابيع بل بعضها مياه ابار وان التركيب الكمياوي ليست مطابقة للمواصفات العالمية لذا ترى ان يتم متابعة ذلك من قبل دوائر الصحة
ومن احد الامثلة على خطورة مشاريع سدود تركيا ( مشروع كاب) هو سد اليسو
بناء وتشغيل سد اليسو، سوف يؤثر تأثيرا كبيرا على هيدرولوجية ومورفولوجية وبيئة نهر دجلة وبيئة المنطقة التي بجري النهر من اراضيها حيث سيغير من نمط تدفق المياه الموسمية عن طريق حجز جميع حمل النهر من الترسبات التي تتدفق اثناء فيضان النهر في فصل الربيع وسيسب في تقليل تدفقات النهر في فصل الصيف الى سوريا والعراق الى مستويات متدنية بحدود 60 متر مكعب في الثانية، أن تشغيل السد لاغراض الري والزراعة ستم بموجبه تحويل جزء كبير من مياه النهر للغرض اعلاه وسيقلل من تدفق المياه من خزان سد اليسو الى مجرى نهر دجلة الطبيعي لان ملء خزان سد اليسو سيسبب في انخفاض تدفق المياه الى دول المصب وهي العراق وسورية مما يخلق ظروف صعبة جدا سيما ان المنطقة تشهد سنوات من الجفاف الشديد وظروف مناخية قاسية. لذا فإن خزان سد اليسو سيكون عائقا امام موجات الفيضان الكبيرة والتي تساعد في تجديد المواد الانشائيةمن المواد الغرينية والرملية والحصوية (ونقص هذه المواد يؤثر سلبا على اسعارها وجودتها ولا سيما اقليم كوردستان يشهد حملة واسعة في مجال الاعمار والنهوض الحضاري ) والترب الزراعية الخصبة والمواد العالقة والغذائية ويسبب في نقص الأكسجين والمواد العضوية للثروة السمكية في نهر دجلة وتخفيض منسوب المياه الجوفية في المكامن التحت الارضية في منطقة مرور مجرى النهر وسيكون مشروع ماء دهوك الرئيسي المقام على نهر دجلة في منطقة “خراب ديم” من اوائل المشاريع المائية ذات البعد الاستراتيجي والانساني الذي سيتاثر بنقص الامدادات المائية في مجرى نهر دجلة وحتى ربما يصل هذا التاثير الى المناطق المجاورة لمجرى النهر كذلك.بالاضافة الى هذا فانه من الممكن أن يؤثر اقامة هذا السد سلبا على توليد الطاقة الكهربائية وخزن المياه للاغراض المختلفة من السدود المقامة على نهر دجلة في العراق مثل سد الموصل والمشاريع المائية الاخرى المقامة على مجرى نهر دجلة داخل العراق حتى ملتقاه بنهر الفرات في كرمة علي قرب البصرة في غضون بضعة سنوات لان اقامة هذا الخزان على سد اليسو سيؤدي الى مستوى كبير من التقلبات الموسمية على طول مجرى نهر دجلة، وعند منع الرواسب الخشنة والناعمة من الوصول باستمرار وبشكل طبيعي الى مجرى النهر من خزان سد اليسو فان مياه النهر تميل للحث وتاكل ضفاف وقاع النهر باستمرارعلى مما يغير شكل النهر الهندسي، وتخفيض مستوى مناسيب النهر وزيادة مستويات عالية من المواد الملوثة من مياه الصرف الصحي ومياه الصرف الزراعي الى مجرى النهر بدلا من الجريان الطبيعي قبل تنفيذ هذا المشروع لان التلوث سيبب الى تقليل و نقص ملحوظ للأكسجين المذاب في مياه النهر لعدم وجود محطات معالجة الصرف الصحي اسفل السد.ان نقص إمدادات المياه الى العراق وسورية سيسبب في تدهور نوعية المياه السطحية والجوفية على حد سواء بسبب قلة الوارد المائي الخارج من خزان سد اليسو وتصريف مياه البزل من الاراضي الزراعية التي تروى من مياه خزان السد اضافة الى ما ذكر فان النتائج المترتبة على انهيار السد بسبب اي حادث أو عمل من أعمال الطبيعة او الانسان ستكون كارثية انسانية لا يحمد عقباه و وسيؤثر على حياة ملايين الناس الذين يعيشون على ضفاف مجرى النهر، وفي فصل الصيف فان قلة الوارد المائي في مجرى النهر ستعرض مناطق واسعة من مناطق اسفل السد الى ان تكون مأوى رئيسي لناقلات الأمراض مسببة امراض مثل الملاريا وغيرها.وهذا التلوث يخلق أخطار صحية على عامة الناس اللذين يشربون مياه النهر ويتناولون الأسماك التي يتم صيدها في مجرى النهر.ان ظروف نقص الأكسجين في النهر على الأرجح يسبب في زيادة مستويات أعلى بكثير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري مثل غاز الميثان كل العوامل التي تم ذكرها بايجاز تسبب تشوه وتغير شكل النهر ومورفولوجيته الطبيعية القائمة قبل اقامة السد وحجز المياه في خزان السد.
اذا وعلى ضوء هذه المعلومات يتطلب وضع خطة علمية مدروسة لاستخدام وادارة المياه، لأن النمو المضطرد للسكان والحاجة الفعلية إلى المياه للاستخدامات المختلفة تتعاظم يوماً بعد يوم ويجب العمل على تغيير النظرةالتقليدية إلى المياه بتشر ثقافة ترشيد استخدامات المياه لكل القطاعات مثل الشرب والزراعة والصناعة وخاصة اقليم كوردستان مقبل على صناعة نفطية( استخراج وتصفية) واعدة في المستقبل القريب والمنظور وهذه الصناعة ستستهلك كميات كبيرة من المياه.
رمضان حمزة
باحث علمي في هيدروبولوتيك المياه ومتخصص في نظم المعلومات المكانيةGIS جامعة دهوك
E-mail: عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.“>ramadhan56_2000@yahoo.com