هندرين أشرف عزت
تسود اليوم حالات من التشوش الذهني والتمييع الفكري لدى المواطنالكوردي بسبب عدم وجود استقرار سياسي في كوردستان خاصة والشرق الاوسط عامةْ على ضوء التغييرات السياسية الحاصلة و الناتجة عن نشوء تكتلات أقتصادية جديدة في المنطقة بين الشركات الامريكية والغربية والقوى الاقليمية في زمن العولمة الراسمالية فلهذه الصورة والمستجدات انعكاسات على الواقع وعلى المواطن في الشرق الأوسط .
ــ بعد حرب الخليج الثانية عام 1990، في سياق ظهور احداث جوهرية على النسق السياسي فان عوامل عميقة ومباشرة متصلة بخصوصية المنطقة الكوردية من ناحية الجيوبوليتيك قد افرزت حالات من التشوش والتخبط الفكري، وقد غذتها عوامل خارجية حسب المصلحة الوطنية لكل دولة، ولكن الامر مختلف في الشأن الكوردستاني مقارنة مع واقع الحكومة العراقية، حيث الاستقرار السياسي وتمتع الإقليم ببرلمان وحكومة كوردستانية والعشرات من البعثات الدبلوماسية والشركات العملاقة التي تتحكم في الاسواق العالمية وعلى الساحة الكوردستانية، و بمتابعة اداء الاحزاب السياسية على ضوء هذه العوامل السياسية والاقتصادية، بات واجباً على تلك الأحزاب ان ترسم سياسة جديدة لمصلحة الشعب الكوردستاني من حيث الاهداف القريبة والبعيدة، بحيث تتأقلم مع متطلبات المتغيرات العالمية وعدم مقارنة اقليم كوردستان بالدول الفاشلة. وفي هذا السياق لا جدال في ان مطلب الحرية والعدالة والمساواة هي من ابرز القضايا المطروحة على الساحة السياسية في اقليم كوردستان ــ العراق، حيث أن آليات العمل السياسي في زمن الكفاح المسلح تختلف عن اليات ادارة الحكومة المدنية وبناء مؤسسات الدولة المدنية وتقديم الخدمات للمواطنين وتطبيق المساواة وحماية حقوق الانسان والحكم الرشيد.
استنادا الى ذلك فان مطلب الحريات الفردية والمساواة والعدالة ضمن ديمقراطية حقيقية أصبح حقا مشروعا تقتضيه التطورات الفكرية الديناميكية في ذهنية قيادات الاحزاب السياسية الكوردستانية، خاصة تلك الاحزاب التاريخية التي تأسست في زمن المد الاشتراكي، والتي تعمل بالعقلية الستالينية والروح التسلطية (دكتاتورية)، لكنها تتستر بشعارات الليبرالية والديمقراطية ومفاهيم المجتمع المدني المزيفة.
ان العقلية المشار اليها لم تعد تتجاوب مع كرامة المواطن الكوردستانى وبالتالي تضعف من انتمائه الوطني. وبهذا المسار هناك سؤال جوهري يطرح نفسه الا وهو، كيف سيكون مستقبل هذه الاحزاب في زمن الثورة المعلوماتية والاتصالية المتسارعة ؟ حيث أن الثورة العلمية التكنولوجية تتطلب اليقظة والحذر. ولعل اول المقومات المطلوبة تتحدد في ضرورة احترام وصيانة الحريات الفردية والفكرية والمساواة وحرية التعبير، وحماية حقوق الانسان بشكل عام وحقوق الاقليات بشكل خاص، والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين والحكم الرشيد والانتقال السلمي للسلطة في المجتمع الكوردستاني .
ــ ان الافكار المشار اليها ربما تساعد الاحزاب السياسية على تجديد نهجها وتفكيرها بما يتجاوب مع متطلبات العصر، وتعيد انتقال المثقف الكوردي من نهج وتفكير الاحزاب الكوردستانية نحو مفاهيم العصرنة والابتعاد عن منطق استخدام القوة والتباهي واحتكار السلطة، بما يجنب الاقليم والقضية الكوردية من المجازفات و المخاطر التي تحيط بها وعدم تكرار التعسف ضد الآخرين من أجل مصلحة بعض الافراد والجماعات الفاسدة .
ان مسألة الحرية تتطلب سياسات ثقافية واستراتيجيات وبرامج محكمة، ولهذا فان العلاقة بين ممارسة الحرية بمعناها الواسع، وبين تأسيس النظام السياسي الجديد والعصري، هي علاقة جدلية بين عناصر تشكيل الوعي ونمط التفكير. واود الاشارة هنا الى ان مصطلح الحرية بفهومه الحديث انضجته الثورة الفرنسية 1789, وهو مصطلح مستحدث في ثقافة المجتمع الكوردي، بعد ان كان مصطلح الحرية والتحرير متلازمين حتى القرن العشرين لدى الفرد الكوردي وجميع الحركات التحررية. يستنتج مما ذكر بأن مسألة الحرية وما تمثلها من استحقاقات سياسية واجتماعية، تجمع أنشطتها السياسية حول فاعل اساسي ألا وهو المثقف الكوردستاني.
لقد كانت قضية الحرية والعدالة والمساواة مطلبا نخبويا حملته النخبة الفكرية، انطلاقا من أهميته في تحقيق التمدن والتقدم والتحديث وارساء العدالة الاجتماعية.
أخيرا أود التأكيد بأن النظام السياسي في اقليم كوردستان امام خيارين لا ثالث لهما؛ اما استمرار الوضع على ما هو عليه وما ينتجه من ركود ومخاطر سياسية واقتصادية على الكوردستانين، أو سلوك درب الحرية والاصلاح والعدالة والمساواة ومكافحة الفساد والفاسدين كخطوة بالاتجاه الصحيح وهو الخيار الافضل والحضاري.